بعد مرور ألفيّ عام على ميلاد المسيح، ها هي الديانة المسيحيَّة في الشرق الأوسط تتعرَّض لاعتداء لم يسبق لها مثيل خلال القرن الماضي، حيث يعيش المسيحيُّون رعبًا حقيقيًّا في منطقة تطفو على “فوهة بركان”، بدءًا من العراق ومرورًا بسوريا ولبنان وبيت لحم وانتهاءً بمصر. ما هي أسباب الاضطهادات؟ وعلى أيأساس يتمسّك المسيحيُّون بشرقهم؟
صورة مأخوذة من مسيرة مسيحية في العراق، تجسِّد آلام مسيحيي العراق.(أ.ف.ب.)
واقع المسيحيِّين في الشرق الأوسط
ربّما لا يدرك كثيرون أنّ المسيحيّين يشكِّلون الآن 5 % فقط من إجمالي سكان منطقة الشرق الأوسط، بعد أن كانت تلك النسبة تصل إلى قرابة 20 % قبل 100 عام من اليوم. ذلك الرقم، ربّما يفسّر ما تعانيه تلك الأقليّة من اضطهاد وأعمال عنف وتدهور الكنائس والانقسامات المسكونيّة، أقربها إلى الواقع ما يحدث في سوريا، حيث يقوم “الجهاديُّون” بقتل المسيحيّين ودفنهم في مقابر جماعيّة…
الصورة واضحة، موجات عاتية من الاضطهاد والتنكيل تطال الأقليّة المسيحيّة في الشرق الأوسط بسبب التنوّع الموجود في المنطقة، إضافةً إلى سبب خطير تشهده المنطقة وهو انفجار العنف المذهبي بين السنّة والشيعة على نطاق إقليمي…
حقّ الدفاع والصمود في أرض الآباء المسيحيّين
من حقِّ المسيحيِّين أن يدافعوا عن حضورهم، ويؤكِّدوا على شهادتهم المشتركة في كلِّ المجتمعات إنطلاقًا من إيمانهم، بأنّ العيش معًا، نحن المؤمنين بالله مسيحيِّين ومسلمين، هو جزء من هذا التراث والتقليد، والقيم التي توارثناها قبل أربعة عشر قرنًا. فبقوّة الإيمان ومركزيّة الغفران الموجودة في تعاليم المسيح نرى هذه الأقليَّة صامدة صمود الزمن، تحمل سلاح المحبَّة والشراكة، تتحمّل الكثير من الظلم والاضطهاد رغم كلّ الصعوبات، ليحافظوا على الرسالة والشهادة بأن يكونوا كالملح في العجين، ويحافظوا على إرث الآباء المسيحيّين. فإذا تمَّ تفريغ المنطقة من المسيحيّين كما نرى اليوم في بعض المناطق، ما معنى أن يُطالَبَ المسلمون بالعيش المشترك، والتضامن الإسلامي – المسيحي؟ هذه نقطة مهمّة يجب الالتفات إليها، أي كيف نعالج موضوع هجرة المسيحيّين من المنطقة من وجهات نظرٍ مختلفة، هنالك مقولة مشهورة تُرَدَّد في أوساط عالميّة، وهي: “قُلْ لي كيف تعامل الأقليّات، أقول لكَ كم أنت حضاري”، علمًا أنّنا اتفقنا في عالمنا أنّه لا يوجد مصطلح أغلبيّة وأقليّة، بل الوطن يتألّف من مكوِّنات، ولكلِّ مكوّنٍ دوره، ومكانته، وإسهاماته، ونشاطاته في سبيل أن يكون الوطن معزَّزًا، مكرّمًا، مستقلاً.
المسيحيُّون ليسوا زوّارًا في هذا الشرق أو مهاجرين إليه بل هم أهل الأرض، هم مشرقيّون أصيلون، لذا حان الوقت لتدقّ الكنيسة ناقوس الخطر وتتّخذ مواقف واضحة وجريئة للتأكيد على الهويّة المسيحيّة في الشرق الأوسط. فهل للمسيحيّة المشرقيّة هوية غير مشرقيّتها وعروبتها؟
خلاصة
أخيرًا كلّ ما علينا فعله، أن نلتزم بوصيّة البابا فرنسيس للمسيحيّين أن يثبتوا بأرضهم في الشرق لأنّهم لعبوا دورًا كبيرًا للمحافظة على قيمهم مع إخوانهم المسلمين. ونحن، ما علينا سوى أن نتأمَّل في أن نتجاوز كلّ الحركات التكفيريّة التي تشوّه الإسلام، وفي أن نحافظ على العيش معًا في شرقنا الحبيب. فكم بالأحرى أن نرى العالمين الإسلامي والعربي يساهمان، بل يدعمان ويساعدان المسيحيِّين الأصليِّين والأصلاء في هذا الشرق، لكي يستمرّوا في العيش على هذه الأرض!
شانتال بيسري القزي