وَهبُ وإزدراعُ الأعضــاء

مقاربةٌ علميّة وأخلاقيّة – كنسيّة

وهب الاعضاء

ما زال وهب وإزدراع الأعضاء في شرقنا مجالاً ذو نشاطٍ ضئيل رغم حيويته وضرورته للكثير من الأشخاص، وربما تعود سبب قلة النشاط هذه للجهل المنتشر بين العوام حول تفاصيله الطبية والعلمية والموقف الكنسي منه.

وهب وإزدراع الأعضاء من الناحية العلمية-

وهب الأعضاء (بهدف الإزدراع) هو: “عملية نقل عضو او أكثر من متبرع حي او ميت الى مستقبِل ليقوم مقام العضو الذي يعاني قصوراً يعوق وظيفته”.
:هناك نوعان لواهب الأعضاء
واهبٌ حي: يمكن أن يهب عضواً (كلية واحدة، نصف كبد، نصف بنكرياس أو رئة واحدة) أو النخاع العظمي (نقي العظام)، ويجب أن يكون راشداً (من 21-65 سنة)، ويتمتع بصحة جيدة تخوله الخضوع لهذه العملية دون أية مضاعفات.
واهبٌ متوفي: موت دماغي مع المحافظة الإصطناعية على الدورة الدموية، يستطيع أن يهب: قلب، كليتين، رئتين، كبد، بنكرياس، قرنيتين، عينين، الأوعية الدموية، صمامات، جلد، نخاع عظمي، أمعاء وعظم
بعد توقف القلب والتنفس يستطيع أن يهب: قرنيتين، عينين، أوعية دموية، صمامات، جلد، أمعاء وعظم
في حالات الواهب المتوفي، كثيراً ما نسمع بمصطلح الموت الدماغي الذي يعرف بأنه: الموت الحقيقي ناتج عن توقف كل وظائف الدماغ، ويتم تشخيصه بواسطة فحص سريري من قبل أخصائيين بأمراض الجهاز العصبي، مع تخطيط للدماغ. في هذه الحالة يُحافظ على الدورة الدموية والتنفس وعمل القلب بطرق طبية إصطناعية كسباً للوقت حتى تُعطى العائلة الفترة الزمنية اللازمة للإستعداد للوهب. ويكون الواهب المتوفي قد وقعّ، في حياته، بطاقة تبّرع بالأعضاء والأنسجة، أو أتّخذ ذووه القرار بالوهب عند وفاته.
ولأن الإستئصال هو عمل جراحي يخضع لكل القوانين والأخلاقيات التي تنظم الأعمال الجراحية. يعامل جسم الواهب بعناية وإحترام، أكان لجهة الأعضاء الموهوبة أو لجهة شكله الخارجي.
وقد شرّع القانون اللبناني “أخذ الأنسجة والأعضاء البشرية لحاجات طبية وعلمية” بموجب المرسوم الصادر في 17/11/1981 (رقم 109) والمعدّل بموجب المرسوم الصادر بتاريخ 20/1/1984 (رقم 1442).

-وهب وإزدراع الأعضاء من الناحية الأخلاقية – الكنسية

“نقل الأعضاء يكون متوافقًا والشريعةَ الأخلاقيّة، إذا كانت الأخطار والمجازفات الطبيعيّة والنفسيّة الحاصلة للمعطي تتناسب والخيرَ المطلوب للمستفيد. وإعطاء الأعضاء بعد الموت عملٌ نبيلٌ جديرٌ بالثواب ويجب تشجيعه على أنّه علامة تضامنٍ سخيّ. ولكنه غير مقبولٍ أخلاقيًّا إذا كان المعطي، أو من يتولّون أمره من أقربائه، لم يرضوا به رضىً صريحاً. ولا يمكن القبول، من الدرجة الأخلاقيّة، بالتسبّب المباشر بالتشويه المولِّد العجز، أو بالموتِ للكائن البشريّ، حتى في سبيل تأخير موت أشخاصٍ آخرين.”
إن هذا النص الكاثوليكي المرجعي يعبر بوضوح وجلاء عن موقف الكنيسة الأخلاقي من موضوع وهب وإزدراع الأعضاء البشرية، إنه موقف يسمح بل يشجع هذه العملية بشروط تكاد تبدو لنا شروطاً بديهية في عالم اليوم: التناسب بين الأخطار التي سيتعرض لها الواهب والخير الذي سيتأتى للمستفيد، القرار الحر والواعي من قبل الواهب الحي ومن قبل ولي أمر الواهب المتوفي، الحفاظ على صحة الواهب والمجانية في الوهب…
ولا ينتهي الأمر أخلاقياً حسب رأي الكنيسة بمجرد توفر شروط الوهب والإزدارع، بل يتجاوز هذا المرحلة وصولاً إلى التشديد على معاملة أجساد الواهبين المتوفين باحترام ومحبة، في الإيمان ورجاء القيامة، لإكرام أولاد الله هياكل الروح القدس.

مما سبق يمكن الملاحظة أن الموقفين الأخلاقي والكنسي يعبران بوضوح وتفصيل عن كل ما يخص موضوع بحثنا، بل وحتى مبادىء منظمة الصحة العالمية بما يخص وهب وإزدراع الأعضاء ليست بعيدة عن ما تراه الكنيسة. وربما من حسن الحظ أن المؤسسات الدينية والعلمية تتفق هنا في حين نراها متنافرة متخالفة في موضوعات أخرى كثيرة تدخل ضمن إطار أخلاقيات الحياة كالإخصاب الإصطناعي والإجهاض والقتل الرحيم…  ويبدو أن أغلب التشريعات والقوانين المتعلقة بوهب وإزدراع الأعضاء التي وضعت من قبل الدول تدعم بقصدٍ أو بدون قصد المبادئ الكنسية في هذا الخصوص.

   روجيه أصفر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *