بعض أسرار الموت

Image

 

يصادف الإنسان في تطوره عبر العصور ظواهر غريبة يحاول فهمها وتفسيرها ، لا سيما تلك المتعلقة بالموت. لذلك، لا عجب في إهتمام بعض الباحثين بما سماه الطبيب النفسي ريموند مودي “بتجربة الإقتراب من الموت”، الذي كان أول من قدم وصفاً لها سنة ١٩٧٥، إستناداً لما قاله المرضى. فكيف لمن عاش مثل هذا الإختبار أن يتحدث عنه، في حين أنه شبه ميتٍ؟

أولاً: ماهيتها وخصائصها

 تطال هذه التجربة من كانوا على شفير الموت، أي من توقف قلبهم وكافة أعضاء جسمهم عن أداء وظائفهم، ليعودوا إلى الحياة مجدداً بفضل تطور تقنيات الإنعاش.اللافت في الموضوع هو ما يروونه من تجارب عاشوها  بين لحظة “موتهم السريري” لحين يتم إحياؤهم من جديد. مما يدل على إمكانية بقائهم  في حالة وعي خلال  .

يتضمن هذا الإختبار مجموعة من العناصر الثابتة التي تتكرر بشكلٍ دائم ومنها:

~ التحرر المؤقت من الجسم الفيزيائي والنظر إليه من الخارج

~ إمكانية الانتقال من غرفة إلى أخرى دون الجسد

~ الدخول في نفق مظلم في نهايته نور ساطع

~ التواجد في مكان يسوده الحب، البهجة ، الطمأنينة والهدوء، بحيث يرغب المريض في البقاء هناك

~ لقاء أحبائه من الموتى

~ إستعراض لحياته بكل تفاصيلها وفهمها بطريقة جديدة

~ سماع صوت يدعوه للعودة إلى جسده لأن ساعته لم تحن بعد ولازال عليه القيام بمهمات عديدة

تتسم هذه الظواهرالمحيرة بثلاث ميزات :

~ الوصف المذكور متشابه إلى أقصى الحدود بين كل من عاشوا هذه التجربة في جميع أنحاء العالم، مهما كانت ثقافتهم وديانتهم. هذا ما عبرعنه الدكتور بيم فان لوميل الهولندي والاختصاصي بالأمراض القلبية

~ التردد في البوح عن هذه التجربة خوفاً من ردود فعل من حولهم وإعتبار تجاربهم مجرد هلوسات

~ تأثير هذه التجارب على نمط حياتهم: زوال الخوف من الموت مجدداً والإنفتاح على الآخرين لمساعدتهم ودعمهم

ثانياً: محاولة تفسير هذه الظاهرة

طرحت العديد من النظريات فيما يخص هذه التجربة خصوصاً وأنها ليست جديدة. فمنذ القدم، يختبر البشر على اختلافهم مثل هذه التجارب. وتبقى الحيرة بين تصنيفها كمجرد
أوهام أو هلوسات، كما يقول الأطباء النفسيون بشكلٍ عام، أو اعتبارها حقيقية وتصديقها. فسرت الدراسات السيكولوجية هذه التجارب على أنها إما نفي للموت، أو أنها سعي للعودة إلى المراحل التي تسبق الولادة، أي داخل الرحم. فبعض الصدمات الحاصلة في الطفولة مثل العنف أو الفراق المفاجئ، تهيئ لمثل هذه التجارب التي هدفها تصحيح ما جرى. أما على الصعيد الفيزيولوجي، البعض يصفها بأنها أوهام ناتجة إما عن نقص في الاكسيجين من الدماغ و زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في الدم، أو عن بعض الافرازات كالاندورفين التي تسكن الآلام وتجعل الانسان يشعر بالسعادة. ويعتبرون أن التشابهات في الوصف تدل على أن مناطق الدماغ هي نفسها التي يتم تحفيزها في مثل هذه التجارب

نستنتج أنه حتى الآن، لم يتم الكشف الدقيق والمقنع عن الأسباب الفعلية لهذه الظاهرة    التي لا زال الغموض يكتنفها. مطلوب مواصلة الجهود في مجال العلم الذي لايزال يتساءل حول استطاعة وصف أصحاب التجارب لأحداث كانت تجري في الغرف المجاورة. فبعض المكفوفين مثلاً تمكنوا من رؤية ما حولهم. أما في ما يخص السلطات الدينية، فهي تتبع الحيطة والحذر فيما يخص الفرضيات المقترحة.  أما من عاشوا هذه التجارب، فهم على ثقة من حدوثها تماماً كما وصفونها. فتصبح باللتالي تجربة ذات طابع روحي، فيها رسالة موجهة للإنسان بصورة عامة،  تذكره بفناء هذا العالم المادي المزيف، و بوجود عالم أو حياة أخرى بعد الموت.لاشيء مؤكد سوى .أن هذه التجارب تثبت أن معرفتنا لاتزال محدودة في مجالات عديدة

 

 

الصلاة معراج الروح نحو السماء

  هل الصلاة ضرورة في وقتنا الحالي ؟

 المقدسات الاسلامية المسيحية
إلى المصلين: في الصمت الداخلي تتكلم الروح عودة إلى الذات والاختلاء مع الله

 

إن إنسان كل الأزمنة لا يمكنه أن يضع جانباً الإستفسار والسؤال عن معنى وجوده الذي يبدو مظلماً ومحبطاً إن لم يوضع في إطار علاقة مع الله ومشروعه للعالم، ومما لا شك فيه إن الرغبة في الله هي محفورة في قلب كل إنسان، وهذا التوق يقود الإنسان إلى كمال الله مقدماً له الصلاة كعرفان وشكران لجميل نعمه. ليصبح الإنسان جميلاً من الداخل وحكيماً. وبناءاً على ما تقدم يمكن الجزم أن الصلاة هي اللقاء الأمثل بين الإنسان وخالقه وبين الإنسان وأخيه الإنسان.

إن الحياة تصبح فارغة من أي معنى بدون الصلاة التي تنفتح على ملكوت الله وأسراره، ويجب علينا أن نتعلم كيف نعيش بعمق أكبر في علاقتنا مع الله

الصلاة حاجة إنسانية
الإنسان يعد من الخطوط الهامة والأساسية في الرؤية الكونية، فكون أن هناك قدرة حكيمة أوجدته فمن الطبيعي أن يكون لخلقه وحضوره هدف ومقصد يليق بعظمة المخلوق وكمال الخالق ف ” الهدف هو رفعة الإنسان وتكامله اللامتناهي والعودة إلى الله وظهور الخصال الحسنة فيه وطاقاته وقابلياته وتوظيفها بأجمعها في طريق الخير واصلاح النفس والعالم والناس”
والصلاة هي المدخل الطبيعي و الوحيد لصناعة الخير وهي حاجة إنسانية، ” وكل إنسان يدرك أنه خليقة الله ومن يريد أن يعبد الله حقاً يمضي إليه مصلياً قانتاً راكعاً ساجداً بنفسه على الأرض، فالصلاة تظهر حقيقة العلاقة بين الله والإنسان عندما يسجد على قدميه أمام الله بمبادرة حرة”
فالصلاة هي الحرية التي تحررنا من عبودية المعصية والخطيئة وهي التي تعرِفنا على ذاتنا، فنخرج بها إلى الصلاح والخلاص.
عند التكلم عن الصلاة لا يمكن أن نغفل الإيمان إذا لا يمكن ممارسة الصلاة من دون ممارسة الإيمان، إذ إن الصلاة تدفعنا إلى مخاطبة الله الذي نؤمن به، فمن دون الإيمان به لا يمكن التوجه إليه بالصلاة . و في هذا المجال كنا قد إستصرحنا بعض المواطنين :
حيث أفاد المواطن ريان الهبر بهذا الخصوص قائلا : لا أؤمن بالأديان و هذا الموضوع لا يشغلني بشيء و أفاد بأنه ملحد .
و من جهته دعا الأب جوزيف جبارة: إلى لقاء الله الذي بمحبته لنا كل يوم لن نرتاح حتى نلاقيه ففي صمتنا نناديه و في صلاتنا نلاقيه و في سجودنا نناجيه .
و يرى الأستاذ محمد جابر : انه قريب من الصلاة و بالتالي قريب من الله.

إن المجتمعات اليوم وأكثر من أي وقت مضى على اتصال واحتكاك مستمر بعضها ببعض، ومكتوب لها أن تتعارف وتتلاقى لتتآلف وتتحابب فيكون لها الإزدهار والإستقرار والأمن والآمان العقائدي والفكري إنطلاقاً من ممارسة الوحدة بالتنوع.
لذلك لا بد أن تأخذ الصلاة مكانتها التي تستحقها في دروس الدين بالمدارس والجامعات الإسلامية والمسيحية والعمل على تفعيل هذا الموضوع المهم, فتطرح الصلاة بلغة الفن والإبداع والفلسفة الروحانية ليتمتع في أسرارها كل فرد حسب إمكانياته وهذا يحتاج إلى جهود كبيرة وطاقات راشدة وحكيمة ومراكز أبحاث.
وبناءاً عليه لابد من القول أن الصلاة هي ضرورة كونها صلة وصل بين الله و الإنسان و بين الشركاء في الوطن, فالصلاة الصحيحة النابعة من الحق تكون في العيش بكرامة

______________

الحسيني، علي، كتاب الصلاة، جمعية المعارف، بيروت، 2013، ص 2.
المصدر السابق، ص267

                          وسام دندشي

 

 

 

 

من الإيمان العاطفي إلى الإيمان الملتزم

من الإيمان العاطفي إلى الإيمان الملتزم

 

 

 

 

 

الإيمان ليس مجرد عقيدة نعتنقها ونعمل على تطبيقها إنّما هو حياة نعيشها.هو إدراك لوجود الله في كيان كل شخص.ان اؤمن بالله عندما اوكل كل اعمال حياتي في ظل عنايته واعمل جاهداً على تطبيق كل ما قدمه لي من خلال ابنه الوحيد،الذي تجسّد عاش بيننا وعلّمنا ان الإيمان بالله ليس كلام بل عمل يومي مع القريب وكل من نلتقي به في حياتنا اليومية.والإنسان الملتزم عليه ان يعي مدى اهمية إلتزامه بتعاليم الكنيسة وتطبيقها في حياته،واجب عليه ان يسعى فيطبق ما قاله الرب ليصبح كل واحد منا شاهد على إيمانه بالفعل لا بالقول.

واقع عيش الإيمان
إنّ المؤمنين يبتعدون كل مرة اكثرعن الإلتزام والمسؤولية وبتعبيرٍ لاهوتي عن دورهم في ملكوت الله من حيث اعمال المحبة والبشارة ودعوة الكنيسة بإستعمال كافة الوسائل الممكنة للإصلاح بطريقةٍ فاعلة ومجديه. من هنا اتى هذا التباعد والهروب من الإلتزام،اي إلتزام في محبة القريب ومساعدته في تحمل مسؤولية الإيمان بفرح وتضحية وعمل حسّي تماماً كما احبنا الرب يسوع فتجسّد لأجلنا وإن حب الرب لم يكن كلاماً فقط بل عمل متجسد لفداء الإنسان.

” من اراد ان يتبعني فليحمل صليبه”
يدعونا اليوم يسوع إلى اتباعه.فكيف لنا ان نبقى على المستوى العاطفي في إيماننا؟اليس الصليب علامة الموت عن الإنسان القديم؟وكما قال القديس بولس:”أنتم الذين اعتمدتم في المسيح المسيح قد لبستم”.
خلاصة القول
إن اهمية عيش الأسرار تساعد كثيراً إلى الإنطلاق من اجل عيش الإيمان والإتحاد بالرب. ونرى ان الكنيسة اليوم تلتزم في الامانة للإنجيل وبقضايا المجتمع. ويبقى السؤال هل عيش الإيمان مهمة صعبة وبحاجةٍ إلى محاولات مستمرة لكي تتحقق؟

                                        حنان ابو زيد

وَهبُ وإزدراعُ الأعضــاء

مقاربةٌ علميّة وأخلاقيّة – كنسيّة

وهب الاعضاء

ما زال وهب وإزدراع الأعضاء في شرقنا مجالاً ذو نشاطٍ ضئيل رغم حيويته وضرورته للكثير من الأشخاص، وربما تعود سبب قلة النشاط هذه للجهل المنتشر بين العوام حول تفاصيله الطبية والعلمية والموقف الكنسي منه.

وهب وإزدراع الأعضاء من الناحية العلمية-

وهب الأعضاء (بهدف الإزدراع) هو: “عملية نقل عضو او أكثر من متبرع حي او ميت الى مستقبِل ليقوم مقام العضو الذي يعاني قصوراً يعوق وظيفته”.
:هناك نوعان لواهب الأعضاء
واهبٌ حي: يمكن أن يهب عضواً (كلية واحدة، نصف كبد، نصف بنكرياس أو رئة واحدة) أو النخاع العظمي (نقي العظام)، ويجب أن يكون راشداً (من 21-65 سنة)، ويتمتع بصحة جيدة تخوله الخضوع لهذه العملية دون أية مضاعفات.
واهبٌ متوفي: موت دماغي مع المحافظة الإصطناعية على الدورة الدموية، يستطيع أن يهب: قلب، كليتين، رئتين، كبد، بنكرياس، قرنيتين، عينين، الأوعية الدموية، صمامات، جلد، نخاع عظمي، أمعاء وعظم
بعد توقف القلب والتنفس يستطيع أن يهب: قرنيتين، عينين، أوعية دموية، صمامات، جلد، أمعاء وعظم
في حالات الواهب المتوفي، كثيراً ما نسمع بمصطلح الموت الدماغي الذي يعرف بأنه: الموت الحقيقي ناتج عن توقف كل وظائف الدماغ، ويتم تشخيصه بواسطة فحص سريري من قبل أخصائيين بأمراض الجهاز العصبي، مع تخطيط للدماغ. في هذه الحالة يُحافظ على الدورة الدموية والتنفس وعمل القلب بطرق طبية إصطناعية كسباً للوقت حتى تُعطى العائلة الفترة الزمنية اللازمة للإستعداد للوهب. ويكون الواهب المتوفي قد وقعّ، في حياته، بطاقة تبّرع بالأعضاء والأنسجة، أو أتّخذ ذووه القرار بالوهب عند وفاته.
ولأن الإستئصال هو عمل جراحي يخضع لكل القوانين والأخلاقيات التي تنظم الأعمال الجراحية. يعامل جسم الواهب بعناية وإحترام، أكان لجهة الأعضاء الموهوبة أو لجهة شكله الخارجي.
وقد شرّع القانون اللبناني “أخذ الأنسجة والأعضاء البشرية لحاجات طبية وعلمية” بموجب المرسوم الصادر في 17/11/1981 (رقم 109) والمعدّل بموجب المرسوم الصادر بتاريخ 20/1/1984 (رقم 1442).

-وهب وإزدراع الأعضاء من الناحية الأخلاقية – الكنسية

“نقل الأعضاء يكون متوافقًا والشريعةَ الأخلاقيّة، إذا كانت الأخطار والمجازفات الطبيعيّة والنفسيّة الحاصلة للمعطي تتناسب والخيرَ المطلوب للمستفيد. وإعطاء الأعضاء بعد الموت عملٌ نبيلٌ جديرٌ بالثواب ويجب تشجيعه على أنّه علامة تضامنٍ سخيّ. ولكنه غير مقبولٍ أخلاقيًّا إذا كان المعطي، أو من يتولّون أمره من أقربائه، لم يرضوا به رضىً صريحاً. ولا يمكن القبول، من الدرجة الأخلاقيّة، بالتسبّب المباشر بالتشويه المولِّد العجز، أو بالموتِ للكائن البشريّ، حتى في سبيل تأخير موت أشخاصٍ آخرين.”
إن هذا النص الكاثوليكي المرجعي يعبر بوضوح وجلاء عن موقف الكنيسة الأخلاقي من موضوع وهب وإزدراع الأعضاء البشرية، إنه موقف يسمح بل يشجع هذه العملية بشروط تكاد تبدو لنا شروطاً بديهية في عالم اليوم: التناسب بين الأخطار التي سيتعرض لها الواهب والخير الذي سيتأتى للمستفيد، القرار الحر والواعي من قبل الواهب الحي ومن قبل ولي أمر الواهب المتوفي، الحفاظ على صحة الواهب والمجانية في الوهب…
ولا ينتهي الأمر أخلاقياً حسب رأي الكنيسة بمجرد توفر شروط الوهب والإزدارع، بل يتجاوز هذا المرحلة وصولاً إلى التشديد على معاملة أجساد الواهبين المتوفين باحترام ومحبة، في الإيمان ورجاء القيامة، لإكرام أولاد الله هياكل الروح القدس.

مما سبق يمكن الملاحظة أن الموقفين الأخلاقي والكنسي يعبران بوضوح وتفصيل عن كل ما يخص موضوع بحثنا، بل وحتى مبادىء منظمة الصحة العالمية بما يخص وهب وإزدراع الأعضاء ليست بعيدة عن ما تراه الكنيسة. وربما من حسن الحظ أن المؤسسات الدينية والعلمية تتفق هنا في حين نراها متنافرة متخالفة في موضوعات أخرى كثيرة تدخل ضمن إطار أخلاقيات الحياة كالإخصاب الإصطناعي والإجهاض والقتل الرحيم…  ويبدو أن أغلب التشريعات والقوانين المتعلقة بوهب وإزدراع الأعضاء التي وضعت من قبل الدول تدعم بقصدٍ أو بدون قصد المبادئ الكنسية في هذا الخصوص.

   روجيه أصفر

ارتفاع نسبة الإلحاد في العالم العربي

 

 

مؤخراً تصاعد الحديث في العالم العربي عن تزايد أعداد الملحدين العرب، ويرجع السبب كما يقول اختصاصيون إلى التشدّد الديني، وتسلم الحركات الإسلامية زمام السلطة.

حسب دراسة أجراها معهد غالوب الدولي لاستطلاعات الرأي تبيّن أن نسبة الإلحاد في السعودية هي 5%، وهي بذلك تعد أول بلد في العالم الإسلامي يتجاوز فيه الإلحاد حاجز الخمسة في المائة مقابل 75% من المتدينين و19% يرون أنفسهم غير متدينين. شكّك البعض في مصداقية هذه الدراسة، ورأوا أن الحديث عن انتشار الإلحاد مجرد وهم، مقللين من احتمالية وجود هذه الظاهرة، وإن وُجدت فهي عبارة عن فئة صغيرة غاضبة بسبب التشدّد الديني.

تعود أسباب الإلحاد في العالم العربي حسب بعض الباحثين الاجتماعيين والسياسيين نتيجة عودة حركات الإسلام السياسي بقوة، وخصوصاً بعد الربيع العربي. ففي مصر يؤكد الباحث في الشؤون السياسية، الدكتور عمار علي حسن، أن وصول جماعة الإخوان للحكم، زاد من نسبة الإلحاد، وذلك بعد تقديمهم صورة سيئة عن الإسلام، وأوضح أن تفاسير الدين منتج بشري لا قداسة لها على الإطلاق، فبحسب وجهة نظره أنه قد تم تطويع الدين لجني مكاسب سياسية، واجتماعية، وهو ما أثار حفيظة الشعب المصري.

ويؤكد أستاذ الشريعة وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، الدكتور أحمد كريمة، أن تفشي ظاهرة الالحاد، وخصوصاً بين الشباب هي بسبب المفاهيم الخاطئة التي يزرعها شيوخ السلفية. يرفض بعض الملحدين العرب فكرة أن الإلحاد سببه نفسيّ، أو أنه ينتج بسبب التشدّد أو وقوع مصائب للإنسان، تجعله غاضباً من الله. فالإلحاد بحسب رأيهم له سبب واحد، هو عدم الاقتناع بوجود إله، ورفض جميع الأديان لاعتقاد أنها بشرية. ولا علاقة للإلحاد بالمجتمع، سواء كان محافظاً أم غير محافظ. فالتشدّد الديني قد يكون دافعاً للبحث في الأمور الدينية ولكن ليس هو السبب.

وعن حلول لهذه المشكلة يقول الصحافي السعودي سطام المقرن: “إن البعض يطالب الدعاة ورجال الدين بضرورة الإنصات إلى هؤلاء الشباب، والرد على أسئلتهم واستفساراتهم وشبهاتهم، ومناقشتهم مناقشة عقلية صرفة، ولكن أقول فاقد الشيء لا يعطيه، فأسئلة الشباب المطروحة اليوم منشأها فلسفي ومعرفي، وبالتالي لا يمكن مناقشة هذه الأسئلة إلا على هذا الوجه، وكما هو معلوم، فإن الفلسفة محرمة عند بعض الدعاة ورجال الدين”.

ومن جانب آخر، يؤكد المقرن إن كثيراً من الشبهات التي تبرز على السطح، سببها وجود تعارض بين تفسير النصوص الدينية والأحكام الفقهية مع الكثير من معطيات الفكر البشري والعلوم الحديثة… “فهل يستطيع الدعاة تغيير هذا المفهوم لدى الشباب بالقول، إن التفاسير والأحكام الفقهية هي آراء بشرية معرضة للخطأ والصواب، وتتغير بتغير ظروف المجتمع؟”. وتحدث عن تصدي الغرب لظاهرة الإلحاد من خلال الاهتمام بمسائل الهرمنيوطيقا* الفلسفية لتفسير كتبهم المقدسة وتأويلها. مشيراً إلى أن الدعاة تناولوا الهرمنيوطيقا بأسلوب عدواني، وحاولوا تصويرها بشكل مخيف ومضاد للدين. فمن وجهة نظره “أن رجال الدين اليوم لن يقبلوا بظهور نظريات جديدة، ترتبط بالمعنى واللغة والتاريخ في تفسير النصوص الدينية، فباب التفسير العرفاني والكلامي مغلق ولن ينفتح بسهولة.”

 إن المرحلة الجديدة التي نعيشها اليوم أثارت علامات استفهام على مجمل الخطاب الديني، ولذلك يجمع الكثير من الباحثين على الحاجة إلى تنوير إسلامي من أجل واقع أفضل.

____________________

 *الهرمنيوطيقا: علم التأويل

                                                                                                                   رحيل دندش

برنامج للهواة تحوّل إلى ساحة للتبشير

الراهبة كريستينا تغني في النسخة الايطالية من برنامج ذي فويس

الراهبة كريستينا تغني في النسخة الايطالية من برنامج ذي فويس

 

يوم الأربعاء ١٩ آذار ٢٠١٤، ظهرتكريستينا سكوتشيا” راهبة كاثوليكية إيطالية، من جزيرة صقلية، تبلغ ٢٥ عامًا، في النسخة الإيطالية من برنامج «ذى فويس» وأدّت أغنية “لا أحد” أو “No One”لـ «اليشيا كيز»  بطريقة نالت استحسانًا كبيرًا من لجنة البرنامج والجمهور لتتحول إلى نجمة عبر وسائل الإعلام. في نهاية العرض اختارت كريستينا الإنضمام لفريق مغني الراب “جي أكس”.

 

The voice” برنامج للهواة تحوّل إلى ساحة للتبشير. ألم يستخدم بولس الرّسول من ألفي سنة معبدًا للأوثان وصنم للإله المجهول ليُخْبِرعن إلهه الحقيقي الذي صرَعه على طريق دمشق وغيّر مجرى حياته؟!

          بثيابٍ مكرّسة وقلب مسيحيّ وجرأة رسول إستطاعت الرّاهبة ” كريستينا  سوسيا” من أن تستميل إليها لا فقط لجنة التّحكيم التّي ما إن بُهِرَت بصوتها واستدارَت نحوها حتّى  أدهشتهم هويّتها وأسلوبها، إنّما أيضًا الشّبيبة الحاضرة التّي صفّقت لها تصفيقًا حادًا. أظهر مدى رغبتهم بأن تتكلّم الكنيسة بلغتهم.  لقد كان إنجيلها هذه المرة أغنية pop وليس عظة  بيبليّة. ألم يستخدم المسيح الخمر في عرس قانا ليجترح من خلاله المعجزات.

          من قال يومًا أن الغناء والتكرس لا يتماشيان؟ أليست الصّلاة لغة الأجساد والأرواح؟ لقد حصدت أغنية هذه الرّاهبة على نسبة عاليّة جدًّا من المشاهدين على مواقع التواصل الإجتماعي، لم تحصده يومًا أي عظة أم حديث ديني آخر. هل نستطيع أن نفهم من ذلك أن ريح التّغيير راح يعصف في الكنيسة ؟

الأخت زينة الخوند

 

الربيع العربي أصبح شتاء بالنسبة للمسيحيين

الصور من اليمين: متظاهرون يمشون في شارع الحبيب بورقيبة بمدينة تونس في تونس، متظاهرون يتجمعون بميدان التحرير بالقاهرة، مئات الآلاف من المتظاهرين بمدينة صنعاء في اليمن، متظاهرون بمدينة البيضاء في ليبيا، متظاهرون في دوار اللؤلؤة بالبحرين، متظاهرون في مدينة دوما قرب العاصمة السورية دمشق.

الصور من اليمين: متظاهرون يمشون في شارع الحبيب بورقيبة بمدينة تونس في تونس، متظاهرون يتجمعون بميدان التحرير بالقاهرة، مئات الآلاف من المتظاهرين بمدينة صنعاء في اليمن، متظاهرون بمدينة البيضاء في ليبيا، متظاهرون في دوار اللؤلؤة بالبحرين، متظاهرون في مدينة دوما قرب العاصمة السورية دمشق.

 

أخذ عدد المسيحيين في الشرق الاوسط بالانخفاض ، بسبب عوامل كثيرة: منها معدَلات  الولادات مقارنة مع المسلمين و الهجرة الواسعة النطاق بسبب الاضطهادات و معادات المسيحيين .

شكّل المسيحيون في لبنان قبل الحرب الأهليّة 65% من السكان و نما بدأت تنخفض للوصول الى 40% بسبب الهجرة.

 

الثورات العربية او الربيع العربي

بدأت حروب الربيع العربي اواخر عام 2010 ومطلع 2011 متأثرة بالثورة التونسية تحت غطاء الديمقراطية وإحترام حقوق الانسان والحفاظ على الحريّات والأقليّات الدينيّة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الى أين تحوَل مسار هذه الحرب؟ ما مصير مسيحيي البلاد العربية؟ لماذا تسهّل السفارات الأوروبية والأميركية  والأسترالية هجرة المسيحيين؟ هل  المخطط هو ان يمحوا كل أثر مسيحي من الشرق؟

بروفيرا فيوريلو النائب في البرلمان الأوروبي وعضو في كتلة نواب أوروبا حرَة وديمقراطية، سمَى منطقة الشرق الأوسط أخطر مكان للمسيحيين و ألقت أيان خرسي علي، نائبة ليبرالية في البرلمان الصومالي، اللّوم على المجتمع الدولي لفشله في التعامل مع ما نعتبره حرباً ضدّ المسيحيين في العالم الاسلامي.

و صرَح مارون لحَام، رئيس اساقفة تونس،أنّ”العرب المسيحيين يعيشون في جو من التخوّف مما قد يحدث بعد سقوط الانظمة القديمة، ومن ان يتحوّل الربيع العربي الى شتاء بالنسبة اليهم”. و يعود هذا التخوّف حسب رأيه،”الى صعود الإسلام السياسي و التخوّف من أن تعود هذه الأنظمة الى تطبيق الشريعة”.

تحول مسار الثورات

في العراق مثلاً،  بدأت الحرب بالبحث عن الاسلحة الكيميائية و ضد حكم صدَام و ما لبثت أن تحوّلت إلى أعمال عنف طائفي أدّت الى إستهداف المسيحيين لأسباب عديدة منها: الدافع الديني للمتطرفين الذين يريدون إخلاء البلاد من العناصر غير المسلمة.

في مصر، رأينا  كيف تحوّلت المظاهرات ضد المسيحيين وكيف أدّت الى اضطهادهم إن لم يقفوا مع المتشددين ضد الدولة والجيش اللذين هم الحامي الوحيد لهم. و كما قال مونيتنيور الأقباط كيريلوس ويليام انّ المسيحيّون يُعتبرون من الدرجة الثانية وتزرع الكراهية ضدَهم في المدارس.

أما في سوريا، بدأت المظاهرات بتغيير النظام والإنتهاء من حكم الطغاة وسرعان ما تحوّلت شعارات المتظاهرين الى : “العلوي عالتابوت والمسيحي عا بيروت”.

نتائج الحروب الهمجية

اليوم، تواجه دول الربيع العربي، بلا استثناء، مشكلات عديدة واحباطات متزايدة جعلت البعض يتحسّر على أنظمة بائدة. فاليوم نشاهد تلك الجماهير نفسها التي خرجت تطالب بإسقاط الأنظمة الفاسدة، تخرج مجدداً تنادي بسقوط أنظمة جاء بها الربيع العربي.

الخوف اليوم هو في استمرارية الصراع الطائفي بل المذهبي مع الصراع الإتني الذين استشروا في الجسد الشعبي العربي: الأقباط والمسلمون في مصر، التوتر السني/ العلوي/ الكردي/ المسيحي في سوريا، وكذلك السني/ الشيعي، والعربي/ الكردي في العراق، دون أن ننسى الانقسامات المتعددة الأبعاد في لبنان، و اثآرها على مسيحيي دول الربيع العربي وعلى تزايد هجرتهم هرباً من هذا الواقع الأليم.

ولكن، ربما ما يزال من المبكر السقوط في حفرة التشاؤم المطلق..

ميراي ابي دامس عيد

 

ندرة تساقط الأمطار: غضبٌ إلهيّ أم ظاهرة طبيعيّة

ندرة تساقط الأمطار: غضبٌ إلهيّ أم ظاهرة طبيعيّة

ندرة تساقط الأمطار: غضبٌ إلهيّ أم ظاهرة طبيعيّة

لم يحمل شتاء لبنان معه هذا العام كمية أمطارٍ وافرة، اعتاد عليها اللبنانيون سابقاً ، ففي حين كان المعدّل السنوي يقارب الـ 800 متر مكعّب، فإنه لم يتخطّى الــ 400 هذه السّنة. وفي ظلّ أجواء سياسية واجتماعية سيئة  وفساد كبير يخيم على البلاد، جرت المقاربة بين الجوّين: المناخي والإجتماعي، جعلت كُثُراً يتبنّون مقولة: “الله ما بعت الخير لأنّو النّاس بطّل فيها خير.. بدو يعاقبهن”، لتصبح بذلك ظاهرة ندرة الأمطار عقاباً إلهياً في تفسيرها

 

 

“العقاب الإلهي” في الكتب المقدّسة:

وجد هذا البعد الديني في تفسير الظّواهر الطَّبيعيّة أساساً له في الكتب الدّينيّة ، فالقرآن الكريم يذكر كيف عوقب قوم لوط بالصيحة، وقوم فرعون بالغر

 الرأي العام: بين مؤيّدٍ  لفكرة العقاب الإلهي ومعارض له:

يشترك الحاج هادي (45 سنة) و يوسف(23 سنة) و السّيدة نتالي(50سنة) في تبني فكرة العقاب الإلهي من خلال الظَّواهر الطبيعية، وهم يعتبرون أن هذه الفكرة “الدينية” هي فكرة بديهيّة تُتوارث جيلاً إلى جيل، وهي فكرة مذكورة في الكتب السَّماويّة. وقد أكّد الحاج هادي وجهة نظره بذكر نماذج معاصرة للعقاب أردفها إلى ندرة الأمطار، مثل الإعصار في أمريكا، العام الفائت، وغير ذلك من أمثلة، فيما برّر يوسف رأيه بأنَّ وجود صلاة الإستسقاء عند المسلمين والمسيحيين خير دليل على العقاب من خلال الأمطار.

في المقابل، يرى وائل(28 سنة) أنَّ سبب قلة تساقط الأمطار يعود إلى عوامل بيئية طبيعية ساهمت في ذلك، وأن فكرة العقاب الإلهي غير صحيحة، مضيفاً أنَّ حالات العقاب التي ذُكرت في الكتب الدينية كانت مخصّصة لقوم دون سواهم، وليس بالإمكان تعميمها، وهي أتت في سياق معاجز الأنبياء. أما وجيه(30 سنة) فيعتبر أنَّ ما يُثار حول أنَّ الله يعاقب بندرة الأمطار مثلاً هو مجرّد فكرة إجتماعيّة متوارثة لا فكرةً دينيّة، معتبراً أن الله رحيمٌ يقابل الخطيئة بالمغفرة.

  “غضب الله” من وجهة نظر بعض العلماء

يعتبر الأب فادي ضو، رئيس مؤسسة أديان، أنَّ الله لا يستعمل القصاص ليعاقب به شعبه، وأنَّ الظواهر الطَّبيعية التي تحدث هي ناتجة عن حركة الكون الطَّبيعية، وبالتالي لا صحة للمقولات التي تتبنى فكرة الغضب الإلهي الذي حال دون هطول الأمطار.

ويرى الشيخ حسين الخشن، المفكّر ومدير الحوزة العلمية لسماحة السيد محمد حسين فضل الله، أنَّ ظاهرة “الإستئصال” التي وردت في القرآن الكريم، والتي تعني إفناء أمَّة بسبب طغيانها، فهي ظاهرة انتفت بعد ظهور الإسلام ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(33))، مضيفاً إلى أن القرآن يذكر أنَّ الأعمال الإنسان المسيئة إلى الطّبيعة ولخلافة وعمران الأرض هي التي تؤدّي إلى الكوارث البيئية، كما توحي بذلك الآية القرآنية: (ظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي النّاس)، وبالتالي يصبح سبب عدم هطول الأمطار نتيجة لفعل الإنسان نفسه، لا لغضب الله.

الدكتور فادي كرم: ندرة هطول الأمطار ظاهرة طبيعية جدّاً

يقول الأخصّائي في إدارة المياه والمناخ الزراعي الدّكتور فادي كرم أنَّ شتاء هذه السّنة مشابه لشتاء سنة  1999 من حيث قلّة هطول الأمطار، مؤكّداً أنَّ ظاهرة ما أسماها “سنوات الجفاف” -والتي تطلق على السنة التي تندر فيها المتساقطات- هي ظاهرة طبيعيّة، وتتجدّد كل عشر سنوات تقريباً، ذاكراً أنَّ الإنحباس الحراري الّذي يتأتّى من التلوّث الهوائي يؤثّر بشكلٍ أو بآخر على كمية المتساقطات أيضاً.

 

ملاك عبد الله

كيف يعيش مسيحيُّو الشرق الأوسط معاناتهم في الإيمان؟

 بعد مرور ألفيّ عام على ميلاد المسيح، ها هي الديانة المسيحيَّة في الشرق الأوسط تتعرَّض لاعتداء لم يسبق لها مثيل خلال القرن الماضي، حيث يعيش المسيحيُّون رعبًا حقيقيًّا في منطقة تطفو على “فوهة بركان”، بدءًا من العراق ومرورًا بسوريا ولبنان وبيت لحم وانتهاءً بمصر. ما هي أسباب الاضطهادات؟ وعلى أيأساس يتمسّك المسيحيُّون بشرقهم؟

صورة مأخوذة من مسيرة مسيحية في العراق، تجسِّد آلام مسيحيي العراق.(أ.ف.ب.)

      صورة مأخوذة من مسيرة مسيحية في العراق، تجسِّد آلام مسيحيي العراق.(أ.ف.ب.)

واقع المسيحيِّين في الشرق الأوسط

 ربّما لا يدرك كثيرون أنّ المسيحيّين يشكِّلون الآن 5 % فقط من إجمالي سكان منطقة الشرق الأوسط، بعد أن كانت تلك النسبة تصل إلى قرابة 20 % قبل 100 عام من اليوم. ذلك الرقم، ربّما يفسّر ما تعانيه تلك الأقليّة من اضطهاد وأعمال عنف وتدهور الكنائس والانقسامات المسكونيّة، أقربها إلى الواقع ما يحدث في سوريا، حيث يقوم الجهاديُّون” بقتل المسيحيّين ودفنهم في مقابر جماعيّة…

الصورة واضحة، موجات عاتية من الاضطهاد والتنكيل تطال الأقليّة المسيحيّة في الشرق الأوسط بسبب التنوّع الموجود في المنطقة، إضافةً إلى سبب خطير تشهده المنطقة وهو انفجار العنف المذهبي بين السنّة والشيعة على نطاق إقليمي…

حقّ الدفاع والصمود في أرض الآباء المسيحيّين

 من حقِّ المسيحيِّين أن يدافعوا عن حضورهم، ويؤكِّدوا على شهادتهم المشتركة في كلِّ المجتمعات إنطلاقًا من إيمانهم، بأنّ العيش معًا، نحن المؤمنين بالله مسيحيِّين ومسلمين، هو جزء من هذا التراث والتقليد، والقيم التي توارثناها قبل أربعة عشر قرنًا. فبقوّة الإيمان ومركزيّة الغفران الموجودة في تعاليم المسيح نرى هذه الأقليَّة صامدة صمود الزمن، تحمل سلاح المحبَّة والشراكة، تتحمّل الكثير من الظلم والاضطهاد رغم كلّ الصعوبات، ليحافظوا على الرسالة والشهادة بأن يكونوا كالملح في العجين، ويحافظوا على إرث الآباء المسيحيّين. فإذا تمَّ تفريغ المنطقة من المسيحيّين كما نرى اليوم في بعض المناطق، ما معنى أن يُطالَبَ المسلمون بالعيش المشترك، والتضامن الإسلامي – المسيحي؟ هذه نقطة مهمّة يجب الالتفات إليها، أي كيف نعالج موضوع هجرة المسيحيّين من المنطقة من وجهات نظرٍ مختلفة، هنالك مقولة مشهورة تُرَدَّد في أوساط عالميّة، وهي: “قُلْ لي كيف تعامل الأقليّات، أقول لكَ كم أنت حضاري”، علمًا أنّنا اتفقنا في عالمنا أنّه لا يوجد مصطلح أغلبيّة وأقليّة، بل الوطن يتألّف من مكوِّنات، ولكلِّ مكوّنٍ دوره، ومكانته، وإسهاماته، ونشاطاته في سبيل أن يكون الوطن معزَّزًا، مكرّمًا، مستقلاً.

المسيحيُّون ليسوا زوّارًا في هذا الشرق أو مهاجرين إليه بل هم أهل الأرض، هم مشرقيّون أصيلون، لذا حان الوقت لتدقّ الكنيسة ناقوس الخطر وتتّخذ مواقف واضحة وجريئة للتأكيد على الهويّة المسيحيّة في الشرق الأوسط. فهل للمسيحيّة المشرقيّة هوية غير مشرقيّتها وعروبتها؟

 خلاصة

أخيرًا كلّ ما علينا فعله، أن نلتزم بوصيّة البابا فرنسيس للمسيحيّين أن يثبتوا بأرضهم في الشرق لأنّهم لعبوا دورًا كبيرًا للمحافظة على قيمهم مع إخوانهم المسلمين. ونحن، ما علينا سوى أن نتأمَّل في أن نتجاوز كلّ الحركات التكفيريّة التي تشوّه الإسلام، وفي أن نحافظ على العيش معًا في شرقنا الحبيب. فكم بالأحرى أن نرى العالمين الإسلامي والعربي يساهمان، بل يدعمان ويساعدان المسيحيِّين الأصليِّين والأصلاء في هذا الشرق، لكي يستمرّوا في العيش على هذه الأرض!

 شانتال بيسري القزي