طاولة مستديرة لإعادة إطلاق الدبلوم الجامعيّ في الأديان والإعلام

نظّم قسم علوم الأديان في كليّة العلوم الدينيّة في جامعة القدّيس يوسف في بيروت طاولة مستديرة لإعادة إطلاق الدبلوم الجامعيّ “الأديان والإعلام”، مساء الأربعاء 25 تشرين الأول 2023 في قاعة جوزيف زعرور في حرم العلوم الإنسانيّة، وموضوعها وعنوانها : عودة الدين ودور وسائل التواصل الاجتماعيّ: استكشاف وجهات النظر السياسيّة والاجتماعيّة والإعلاميّة في لبنان.

دارت الحوار منسّقة برامج قسم علوم الأديان، د. مرغريت الأسمر بو عون، وقد لفتت في كلمتها إلى إنّ تقاطع الدين ووسائل الإعلام، لا سيّما على منصّات التواصل الاجتماعيّ، يشهدُ نموًّا جديدًا للخطاب الدينيّ والتعصّب في لبنان. بالإضافة إلى اسهام الديناميّات السياسيّة والاجتماعيّة، وتأثير وسائل الإعلام، وانتشار الأخبار الزائفة في تعقيد القضيّة.

وفي سياق التعمّق في عودة الخطاب الدينيّ والتعصّب في لبنان تناولت هذه الندوة ثلاثة مناهج متميّزة، مع كلّ من البروفسور الأب صلاح أبو جودة اليسوعيّ والإعلامي يزك وهبة والصحافيّة رلى عازار دوغلاس.

  1. الديناميّات السياسيّة والاجتماعيّة: الطائفية والانتماء الديني في لبنان

أكد الأب أبو جودة أن نظام لبنان السياسي الفريد، المميز بالطائفية، يؤثر بشكل كبير على العلاقة بين المؤسسات الدينيّة ووسائل الإعلام. الطائفيّة، التي تقسّم السلطة استنادًا إلى الانتماء الديني، وقد ساهمت في تجزيء المجتمع بشكل كبير. بينما تهدف الطائفية إلى ضمان التمثيل الديني، إلا أنها أيضًا تعزز الانقسامات على أساس طائفي مما يجعل الحوار البناء أمرًا صعبًا .

  1. في النهج الثاني حول تأثير وسائل الإعلام وارتفاع التعصب على وسائل التواصل الاجتماعي ، كشف وهبة واقع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي الذي قدم منصة لتكثيف التعصب الديني في لبنان. كما أن قدرة مشاركة المعلومات ونشرها بسرعة أتاحت للآراء المتطرفة الحصول على متابعين. هناك عدة علامات تشير إلى عودة الظواهر الدينية وارتفاع التعصب على وسائل التواصل الاجتماعي في لبنان، ناهيك عن ازدياد نشاط الشخصيات والمؤسسات الدينية على الإنترنت، حيث يتم نشر معتقداتها أيديولوجياتها لجمهور أوسع.
  2. حول دور وسائل التواصل الاجتماعيّ في نشر الأخبار الدينيّة المضلِّلة وبناء الأخبار الزائفة، أشارت دوغلاس إلى أن سرعة وسهولة مشاركة المعلومات على منصات التواصل الاجتماعي تجعلها عرضة للتلاعب وحملات الإشاعات. تزيد التواطئية وعدم التحقق من الحقائق على وسائل التواصل الاجتماعي من هذه المشكلة، مما يجعل من الصعب التمييز بين الحقيقة والخيال.

إنّ دور الإعلام لا يقتصر على نقل الخبر فحسب، بل يساهم أيضًا في تكوين الرّأي العامّ وتوجيهه، وخلق القضايا والتّواصل، والحوار بين الأفراد والجماعات والشّعوب. يأتي دبلوم الأديان والإعلام، من جهة، ليجيب على حاجة المؤسّسة الدّينيّة المسيحيّة والإسلاميّة اليوم كي تُحسِن استعمال هذه الوسائل بتقنيّة عالية؛ ومن جهة أخرى، لتعميق الثّقافة الدّينيّة من أجل أن تتقن وسائل الإعلام إبراز رسالة الدّين السامية.

يقدّم هذا الدبلوم مقاربات تتناول الإدراك النظريّ والتحليليّ والتّعلّم العمليّ لتقنيّات وسائل الإعلام ويُعطى باللّغة العربيّة.

للمزيد من المعلومات عن الدبلوم، اضغط على الرابط التالي

البوم الصور

كوفيد 19: الفيروس الذي أعاد ترتيب الطقوس الدينية

ديانا الزين | الدبلوم الجامعي في الأديان والإعلام


 دير يسوع الفادي، زحلة

في حدث غير مسبوق من نوعه، أقفلت دور العبادة من مساجد وكنائس ومعابد في أكثر من مئة و سبعون دولة. وآخر مرة اتخذ هكذا اجراء عالميا كان في سنة  1918، يوم تفشي الانفلونزا الاسبانية (الحرة،  26 –اذار-2020 ).  وقد  اتخذت وزارة الصحة العالمية هذا القرار بعد انتشار فيروس كورونا أي ما سمي بكوفيد 19،  في ووهان الصينية في كانون الأول 2020. وفي هذا الاطار، نفذت تلك الإجراءات من قبل السلطات في تلك الدول، حتى تلك التي تعتمد على السياحة الدينية كإيطاليا وايران. فكما يقول المثل:” مرغم أخاك لا بطل.” لكن أليست البطولة في درء المرض وشبح الموت مهما كانت الإجراءات؟ وهل يهتم الدين بالقشور في دور العبادة ولا ينظر الى جوهر الايمان ؟ وهل العلاقة بالله هي طقوس وتكرار لتلك الطقوس فقط؟

لم يكن قرار الغاء الطقوس الدينية والاحتفالات بسيدة البشارة في لبنان خيارا سهلا، لكنه الوحيد لإنقاذ البلاد من انتشار الفيروس أو الموت المحتم . وألغيت أيضا مسيرة القربان في عنايا بمناسبة عيد سيدة البشارة، إضافة الى  مسيرة اللقاء الإسلامي المسيحي لنفس المناسبة.

في شمال إيطاليا، ألغيت كل الطقوس التي تؤدي الى تجمعات حتى شهر نيسان. إضافة الى الاحتفالات  التي كانت مقررة في بازيليك القديسة مريم ،التي بنيت كنذر لانتهاء الطاعون الذي اجتاح المنطقة في القرن السابع عشر(الجزيرة، 13/3/2020). لكن أحد أساقفة ميلانو رأى في ذلك كمن ينظر الى صورة موقد بدل من أن يجلس قربه.  كما  ألغى البابا فرنسيس سر الاعتراف عند الكاهن، ويقول في عظته أمام الأساقفة:” فلتكن علاقتك مباشرة مع الله، أغمض عينيك بخشوع واعترف أمامه بخطاياك وعبر عن ندمك وتوبتك.” (نشرها جوزيف قرداحي-صحافي-على صفحته)

أما في ايران، فقد أقفلت جميع المقامات في قم ومشهد، بالرغم من تدافع المعارضين واقتحام الأضرحة رفضا لإقفالها. .كما أقفلت السعودية المسجد الحرام والمسجد النبوي، لاغية بذلك موسمي الحج والعمرة.

الأب ايلي صادر، رئيس دير يسوع الفادي – زحلة، يرى أن الطقوس هي تعبير خارجي عما يجول بالقلب من تعبير عميق جدا للاهوت معين أو مفهومية معينة  أو عقيدة معينة. عندما تتواجد عوائق مجبرة تمس بصحة أو كرامة الانسان، لا نستطيع أن نجرب الله كما قال السيد يسوع المسيح:” لا تجرب الرب الهك. الرب يستطيع أن يشفينا لكننا لا نقوم بخطوة مؤذية فنتحمل مسؤولية الأذى. وهو ما يعرف بالمسيحية بصراع الريتوس والميتوس (كلمتان يونانياتان قديمتان تشيران الى الطقوس والخرافة).

ومن الناحية الإسلامية، يؤكد الشيخ حسين غبريس من تجمع علماء المسلمين، أن الدين الإسلامي، وسواه من الديانات السماوية، يلحظ مصلحة الفرد والمجتمع، ومصلحة الانسان بالأخص على ما عداه من المصالح.  لذلك  لا نستغرب أن الإسلام كدين، يتعاطى مع المسائل المستجدة والاحداث الطارئة كالنكبات والزلازل والمشاكل  الصحية والبيئية نظرة متميزة.  وبالتالي ليس من المستغرب اقفال المساجد حتى على مستوى الصلاة الفردية فضلا عن الجماعة والجمعة.

دكتور طلال عتريسي، أستاذ العلوم الاجتماعية  في الجامعة اللبنانية، يرى أن تغيير الطقوس أو الشعائر الدينية مثل صلاة الجمعة أو الذهاب الى الكنائس، يرتبط بأمرين. الأمر الأول هو  المناخ العام الموجود في المجتمع، هناك مناخ عام من الخوف، من التجمعات ومن اللقاءات وبالتالي هذا القرار لا يثير أي استنكار أو أي استغراب. والنقطة الثانية، هناك تبديل في الأولويات وهذا القرار هو تكيف مرن وواع ومنطقي مع هذا التبديل، فالأولوية أصبحت لصحة الانسان. فاذا كان انسان عارف أن صلاة الجمعة تقضي الى اصابته بأمراض تقتل ، صلاته لا قيمة لها اذا استمر بها. نفس الأمر لاماكن العبادة الأخرى كالكنائس. الانسان هو الأولوية والشعائر هي في خدمته. ما جرى في لبنان وفي السعودية أو ايران أو إيطاليا هو تكيف مع الأولويات

كتب أنطون سعادة ما يلي:” حينما تضاربت مصلحة المجتمع، الدولة والأمة ، ومصلحة الدين، كانت مصلحة المجتمع هي الفاصل في النزاع.” في زمن الكورونا، أقتبس عن أحد الأصدقاء اللبنانيين  الذي يعيش في ألمانيا، فرنسوا بن دياب، أن كورونا فتح ثقبا في المنظومات الدينية كافة، فيسأل الكثيرون عن جدوى المليارات التي هدرت في تزيين دور العبادة بالذهب والأحجار الكريمة ولو أننا استثمرناها في مشافي متطورة ومختبرات طبية تنفعنا في هكذا كوارث.

ربما علينا خلال هذه الأزمة وبعدها ، أن نعيد النظر في جميع الطقوس، ربما تغيير بعضها أو تقليل البعض الآخر وتبديله بما هو أقرب الى الله من تلك الممارسات.  ان غدا لناظره قريب. دمتم بصحة وأمان.


وسط  البلد- بيروت لبنان-جامع الامين

إشكالية حرية التعبير وجرم ازدراء الأديان: خدشٌ لمعتقد الآخر أم حريةٌ في التعبير؟

رواد باره | الدبلوم الجامعي في الأديان والإعلام

أصبحت حرية الرأي والتعبير في عصرنا الراهن حقاً مصاناً من حقوق الإنسان التي تعزز قدسيته وفرادته، هذه الحرية ليست مطلقة إنما تخضع لحدودٍ وقيودٍ تحفظ كرامة الآخرين ومعتقداتهم، لا سيما فيما يمس الذات الإلهية وديانة الآخرين التي لطالما كانت من أكثر الموضوعات جدليةً وحساسيةً في هذا الصدد. لكن كيف هو الحال في العالم العربي؟ هل يتمتع أصحاب الرأي من فنانين وإعلاميين وغيرهم بهذه الحرية في ظل تأثير المؤسسات الدينية الكبير وردات فعل بعض الأفراد؟ هل حالات المنع والتقييد لهذه الأصوات تقوم دائماً على أسس شرعيةٍ ومنطقيةٍ منسجمةٍ مع القوانين المحلية والدولية؟.

المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تقول: “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل”. بالنسبة للدول الأطراف في العهد الدولي، فإن هذه المادة ملزمة قانوناً. أي أن أيّة دولة تقمع حرية التعبير أو تتجاوز قوانينها والقيود المنصوص عليها في المادة تنتهك حقوق شعبها.  إضافةً إلى العديد من المواثيق الدولية الأخرى من الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان واجتهادات المحكمة الأوربية العليا لحقوق الإنسان حول هذا الحق، بالمقابل تم وضع محددات شرعية عن حق الدول في تقييد حرية التعبير، بشرط أن تكون هذه المقيدات بهدف محدد، مثل ضمان احترام حقوق الناس، وحماية الأمن القومي أو النظام العام للآداب العامة، أو أن يكون قيداً ضرورياً وديمقراطياً، أو يمنع الدعاية للحرب، أو منعاً لما يشجع على العنصرية والكراهية العرقية أو الدينية.

حين نتناول الموضوع على الصعيد العربي من حيث المبدأ، لا بدّ أننا متفقون جميعاً أننا نتجاوز حقنا في التعبير عندما نؤذي آخرين، وعلى أن حرية التعبير حين تنال الشعور الديني للآخرين أو الذات الإلهية بشكلٍ جليّ لا بدّ أن تكون مقيّدة، بهدف درء الفتنة والنعرات الطائفية التي تشكّل خطورة على استقرار مجتمعنا العربي بسبب حساسية هذا الموضوع في المنطقة على وجه الخصوص. هناك العديد من قضايا المنع تحت مظلة جرم ازدراء الدين أو المسّ بالذات الإلهية، إما عن طريق تأثير المؤسسات الدينية ولجوئها إلى الجهات القضائية في السعي لتطبيق المنع، أو عن طريق أفراد وأنشطة خارج السلطة القضائية تمارس قمعها للدوافع نفسها. وقد يطال هذا التقييد والمنع أحياناً أعلاماً كبار في عالمنا العربي، كان حريّ بالمسؤولين أن يكونوا فخورين بهم ويسعون لدعمهم بتأمين مساحةٍ أكبر من الحرية لهم.

لعلّ المثال الأكبر الذي يستحضرنا هنا هو القضية التي هزت العالم العربي والوسط الأدبي وطرحت السؤال من جديد حول حرية التعبير والخطر الذي قد يتعرض له أصحاب الرأي، حين تعرض الكاتب المصري الكبير نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل في الآداب فى أكتوبر 1995 لمحاولة اغتيال على يد شابين، حين طُعن في رقبته لاتهامه بالكفر والخروج عن الملة بسبب روايته المثيرة للجدل “أولاد حارتنا”. بعد نجاته علّق محفوظ أنه غير حاقدٍ على من حاول قتله، ولربما كان تعقيبه إشارةً إلى أن محفوظ لا يلوم الشابين، بل يشير إلى الجهة أو المؤسسة التي أوصلتهما إلى هذه العقلية وإلى التصرف بهذه الوحشية بدافع الاتهام بالكفر، وإلى خطورة تأثير هذه الجهات.

على الصعيد المحلي اللبناني تتعدد النصوص في قانون المطبوعات والإعلام وقانون العقوبات التي تتناول تجريم الأفعال التي قد تؤدي إلى اثارة النعرات الطائفية أو على تحقير الشعائر الدينية والذات الإلهية، أهمها المواد 317 – 473 – 474 من قانون العقوبات. ومن الأمثلة التي تعرّض لها أصحاب الرأي إلى محاولات لتقييد أعمالهم حين تم تحويل الفنان مارسيل خليفة للقضاء بتهمة الإساءة إلى الإسلام بسبب تلحين وغناء قصيدة “أنا يوسف يا أبي” التي كتبها الشاعر محمود درويش، لأنها تتضمن آية قرآنية من سورة يوسف. القضاء اللبناني برّأ مارسيل خليفة من التهمة وقتها بسبب النقص في الأدلة، كما تعرّض الموسيقي بشار خليفة – نجل مارسيل خليفة – لقرار صدر عن الأمن اللبناني العام يمنع توزيع ألبومه الغنائي في لبنان بتهمة الإساءة إلى العزة الإلهية لمجرّد أنه يؤدّي الأغنية مجزّئاً كلمة “ارحمنا” إلى قسمين في غنائها.

تعد القضية الأحدث في هذا السياق حادثة منع الفرقة الموسيقية اللبنانية (مشروع ليلى) من الغناء في مهرجان بيبلوس في صيف 2019.  بعد ضغوط مارستها المراجع المسيحية، الإكليريكية الرسمية والرعايا وبعض الجماعات، إذ شنّوا حملةً ضد الفرقة في القضاء والإعلام ووسائل التواصل، وتوجّه بعض المؤيدين لهذا القرار لخطابات التهديد والوعيد ضد الفرقة، وحتى أن البعض هدد بشكل مباشر باستعمال العنف في حال صعدت الفرقة على مسرح بيبلوس. قُدم إخبارٌ أمام النيابة العامة ضد الحفلة بتهمة «إهانة المقدّسات والمسّ بالأديان وإثارة النعرات الطائفية»؛ ومنعاً لإراقة الدماء تم على إثرها تحويل أفرادٍ من الفرقة إلى التحقيق، ومن ثم صدر قرارٌ بإيقاف الحفل وبحذف أغنيتين للفرقة من موقع يوتيوب. بالمقابل توجّهت منظمات حقوقية عدة للتنديد بهذا القرار ومناصرة الفرقة، من بينها منظمة العفو الدولية. الفرقة التي تحقق نجاحات كبيرة على أهم المسارح العالمية تعرضت إلى المنع في دولٍ عربية عدة منها الأردن ومصر، وأخيراً على أرض الوطن.

ويتساءل البعض هنا: الأغنيتان التي دفعت هذه الجهات للتحرك ضد الفرقة موجودة على يوتيوب منذ سنوات لم يتحرّك أحد في محاولة منعها سابقاً وقد أدّت الفرقة العديد من الحفلات في لبنان سابقاً، فهل الأعمال كانت فعلاً ترقى لأن تعتبر جرماً يمسّ الشعور الديني أو الذات الإلهية؟ أم أن هذا الانطباع وردّ الفعل خُلق نتيجة لتحرك المؤسسات الدينية وخطابها؟، وهل القرار القضائي بالمنع ساهم فعلاً بعدم إثارة النعرات وتجنّب العنف أم أنه على العكس قد دفع بعض الشباب المتحمس للتهديد والدفاع عن الدين بطريقة عنيفة، وكأنه أمرٌ شرعيّ يبيحه القانون تحت ذريعة الدفاع عن المعتقد الديني كما رأينا في حادثة محاولة اغتيال نجيب محفوظ؟.

بالنظر إلى القضايا السابقة وغيرها، نلحظ العديد من الآثار السلبية لهذه التحرّكات. فمن المنطلق الديني، الإيمان والمعتقد الديني القويم المرتكز على أسسٍ قوية ليس بحاجة لمحاربة فنانين وكتّاب وكأنهم يثيرون الذعر لمجرد تقديم أعمالٍ معينة قد لا ترقى لتصنيفها على أنها جرم يمسّ الشعور الديني؛ إنما قد يعطي انطباعاً عكسيّاً بهشاشة الإيمان والمعتقد لدرجة احتياجه إلى حرّاس حماية يتحركون أوتوماتيكياً ضد أي أعمال قد تتناوله بأي شكلٍ كان، حتى ولو راعت حدود التعدي الصريح على المعتقد الديني، لا سيما أننا في عصرٍ يمكننا فيه الوصول إلى أي محتوى عن طريق الإنترنت مهما ازدادت شراسة المنع والتقييد. وبدل أن تسهم هذه التحركات في خلق السلم المجتمعي قد تؤدي إلى خلق قناعةٍ أن رد الفعل العنفي من فئات معنيّة في المجتمع هو حق مشروع، بسبب الخطابات الدينية التي قد تأخذُ قالباً تحريضياً من قبل رجال الدين وزيادة وهم خدش الشعور الديني من دون أسباب حقيقية.

ويُطرح هنا تساؤلٌ عن مدى انسجام شرعيّة دوافع ومساعي تقييد حرية التعبير أو قرارات المنع القضائية مع الشرائع والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي استعرضناها في البداية، حتى ولو صدرت بقرارات قضائية، وعن مدى نزاهة القضاء وهيبة دولة القانون التي تستطيع أن تحكم بشكل شرعي مدني يتناسب مع حقوق الإنسان، بعيداً عن ضغوط المؤسسة الدينية؛ وهذا ما يظهر مؤشراً خطيراً حول تنامي وسائل القمع وتقويض حرية التعبير كما حدث في لبنان، إذ أنه وفقاً لإحصاءات رسمية فإن مؤشرات قمع حرية التعبير تشهد ازدياداً كبيراً في السنوات الأخيرة بعد أن كان يُحسب للبنان أنه من أكثر الدول العربية احتراماً للحريات، مما يؤثر بالتالي على المظهر الثقافي العام والحضاري للبلد وعلى الإعلاميين والفنانين والناشطين، ويضرب بشكلٍ ما حالة الإبداع العامة فيه.

في ظل الجدلية هذه لا بدّ أن يكون هناك بعض التوصيات والحلول المرجوّة لدرء النزاعات التي قد تُخلَق بين الفئات المختلفة سعياً لحفظ حقوق كلّ الأطراف. منها ضرورة إعادة النظر بالنصوص القانونية والإجراءات الإدارية والصلاحيات الرقابية للمؤسسات لتحديد نطاق الحرية والقيود المقابلة لها، وضمان هيبة القانون وقوّته بشكل مستقل غير خاضع لضغوط المؤسسات الدينية، ويساهم بأن تخضع قيود حرية التعبير للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتشكيل لجنة قانونية محايدة من قانونيين ورجال دين معتدلين لتوضيح محددات حرية التعبير وقيودها في صدد جرم ازدراء الأديان حسب كل حالة وقضية بشكل خاص؛ وكذلك ضرورة تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني المناصرة لحقوق الإنسان في التعبير ودور المؤسسات التعليمية لرفع الوعي حول مفاهيم تقبّل الرأي الآخر وحوار الأديان ومفاهيم الرموز الدينية واحترام معتقدات الغير.

الاجهاض والموت الرحيم للأطفال ونظرة الأديان

نور قنصل | الدبلوم الجامعي في الأديان والإعلام

أكّد البابا فرنسيس في التاسع عشر من شهر شباط 2016 في تصريحاته التي أدلى بها داخل الطائرة خلال رحلة العودة من المكسيك تأكيده أن الاجهاض والموت الرحيم من الجرائم غير أنه لفت الى أن اعتماد وسائل منع الحمل “ليس شرا مطلقا” في حالات استثنائية وذلك ردا على سؤاله عن سبل مكافحة وباء زيكا.

كلمة قتل هي للشرير والمجرم أما الرحمة فهي للمحب ولله ولكن خلط الكلمتين لتبرير عمل موت إنسان ، يمزج الأحاسيس ليجعل الشرّ يظهر بأنه خير، والخير شرّ والنتيجة هي قتل روح والتعدي على الحياة في أولها (الإجهاض)، في مراحلها أو في آخرها،القتل الرحيم أو ما يسمى  (اليوثانيجيا).

إذا كان القتل بدافع الرحمة يعني إنهاء حياة إنسان فإن الأديان كلّها تحرّم ذلك تحريماً مطلقاً وتعتبره جريمة قتل، لأن الله هو الوحيد الذي يحيي ويميت. فالديانتان – اليهودية والمسيحية – تحرّمان القتل بحسب الوصية الخامسة من الوصايا العشر ” لاتقتل ” والكنيسة ترفض الإجهاض والموت الرحيم بشكل قطعي.

أما عن رأي الإسلام بهذه المسألة فهناك الكثير من الآيات القرآنية التي تدلّ على أن الموت هو من حق الله وحده واهب الحياة. وحرص الإسلام على حياة الإنسان ولم يجعل النفس ملكاً حتى للإنسان ذاته، وإنما هي ملك لله استودعه الله إياها، فلا يجوز للانسان التفريط فيها بواسطة الغير ولو كان طبيباً يهدف إلى إراحة الطفل المريض من آلامه.

وقال البابا فرنسيس ردا على سؤاله عن سبل مكافحة وباء زيكا. “أنه يجب عدم المزج بين السوء الناجم عن تفادي الحمل وبين الاجهاض”.

الاجهاض ليس مشكلة لاهوتية بل هو مشكلة بشرية وطبية. حيث يتم قتل انسان لانقاذ آخر. هذا شر بحد ذاته، ليس شرا دينيا بل شر بشري”.

وأضاف البابا أن تفادي الحمل ليس شرا مطلقا و حض الاطباء على بذل قصارى جهدهم لايجاد لقاحات وأدوية لوباء زيكا.

ومن وجهة نظر أخلاقية حول طرق منع الحمل الاصطناعية، فبرأي الأب إيدغار الهيبي  وسائل منع الحمل الاصطناعية تأتي بقطار الضو الليمونة وليس في قطار الضو الأحمر , أي أنه من الممكن قبول هذه الوسائل ببعض الظروف التي هي بين النعمة والخطية وبالرض

المراجع
www.France24.com
www.marcharbel.lilhayat.com