يصادف الإنسان في تطوره عبر العصور ظواهر غريبة يحاول فهمها وتفسيرها ، لا سيما تلك المتعلقة بالموت. لذلك، لا عجب في إهتمام بعض الباحثين بما سماه الطبيب النفسي ريموند مودي “بتجربة الإقتراب من الموت”، الذي كان أول من قدم وصفاً لها سنة ١٩٧٥، إستناداً لما قاله المرضى. فكيف لمن عاش مثل هذا الإختبار أن يتحدث عنه، في حين أنه شبه ميتٍ؟
أولاً: ماهيتها وخصائصها
تطال هذه التجربة من كانوا على شفير الموت، أي من توقف قلبهم وكافة أعضاء جسمهم عن أداء وظائفهم، ليعودوا إلى الحياة مجدداً بفضل تطور تقنيات الإنعاش.اللافت في الموضوع هو ما يروونه من تجارب عاشوها بين لحظة “موتهم السريري” لحين يتم إحياؤهم من جديد. مما يدل على إمكانية بقائهم في حالة وعي خلال .
يتضمن هذا الإختبار مجموعة من العناصر الثابتة التي تتكرر بشكلٍ دائم ومنها:
~ التحرر المؤقت من الجسم الفيزيائي والنظر إليه من الخارج
~ إمكانية الانتقال من غرفة إلى أخرى دون الجسد
~ الدخول في نفق مظلم في نهايته نور ساطع
~ التواجد في مكان يسوده الحب، البهجة ، الطمأنينة والهدوء، بحيث يرغب المريض في البقاء هناك
~ لقاء أحبائه من الموتى
~ إستعراض لحياته بكل تفاصيلها وفهمها بطريقة جديدة
~ سماع صوت يدعوه للعودة إلى جسده لأن ساعته لم تحن بعد ولازال عليه القيام بمهمات عديدة
تتسم هذه الظواهرالمحيرة بثلاث ميزات :
~ الوصف المذكور متشابه إلى أقصى الحدود بين كل من عاشوا هذه التجربة في جميع أنحاء العالم، مهما كانت ثقافتهم وديانتهم. هذا ما عبرعنه الدكتور بيم فان لوميل الهولندي والاختصاصي بالأمراض القلبية
~ التردد في البوح عن هذه التجربة خوفاً من ردود فعل من حولهم وإعتبار تجاربهم مجرد هلوسات
~ تأثير هذه التجارب على نمط حياتهم: زوال الخوف من الموت مجدداً والإنفتاح على الآخرين لمساعدتهم ودعمهم
ثانياً: محاولة تفسير هذه الظاهرة
طرحت العديد من النظريات فيما يخص هذه التجربة خصوصاً وأنها ليست جديدة. فمنذ القدم، يختبر البشر على اختلافهم مثل هذه التجارب. وتبقى الحيرة بين تصنيفها كمجرد
أوهام أو هلوسات، كما يقول الأطباء النفسيون بشكلٍ عام، أو اعتبارها حقيقية وتصديقها. فسرت الدراسات السيكولوجية هذه التجارب على أنها إما نفي للموت، أو أنها سعي للعودة إلى المراحل التي تسبق الولادة، أي داخل الرحم. فبعض الصدمات الحاصلة في الطفولة مثل العنف أو الفراق المفاجئ، تهيئ لمثل هذه التجارب التي هدفها تصحيح ما جرى. أما على الصعيد الفيزيولوجي، البعض يصفها بأنها أوهام ناتجة إما عن نقص في الاكسيجين من الدماغ و زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في الدم، أو عن بعض الافرازات كالاندورفين التي تسكن الآلام وتجعل الانسان يشعر بالسعادة. ويعتبرون أن التشابهات في الوصف تدل على أن مناطق الدماغ هي نفسها التي يتم تحفيزها في مثل هذه التجارب
نستنتج أنه حتى الآن، لم يتم الكشف الدقيق والمقنع عن الأسباب الفعلية لهذه الظاهرة التي لا زال الغموض يكتنفها. مطلوب مواصلة الجهود في مجال العلم الذي لايزال يتساءل حول استطاعة وصف أصحاب التجارب لأحداث كانت تجري في الغرف المجاورة. فبعض المكفوفين مثلاً تمكنوا من رؤية ما حولهم. أما في ما يخص السلطات الدينية، فهي تتبع الحيطة والحذر فيما يخص الفرضيات المقترحة. أما من عاشوا هذه التجارب، فهم على ثقة من حدوثها تماماً كما وصفونها. فتصبح باللتالي تجربة ذات طابع روحي، فيها رسالة موجهة للإنسان بصورة عامة، تذكره بفناء هذا العالم المادي المزيف، و بوجود عالم أو حياة أخرى بعد الموت.لاشيء مؤكد سوى .أن هذه التجارب تثبت أن معرفتنا لاتزال محدودة في مجالات عديدة