الوباء ما بين العلم والغيب

بلال العبد الله | الدبلوم الجامعي في الأديان والإعلام

مالئ الدنيا وشاغل الناس! إنه ليس المتنبي الذي قيل بحقه هذا الوصف، بل إنه فيروس الكورونا أو كوفيد 19 الذي أُعلنت بسببه حالة طوارئ عالمية. لم يبق مكان في العالم بمنأى عن هذا الغازي الجديد، وهو ما استدعى حالة استنفار من قبل حكومات العالم عبر حث مواطنيها على اتخاذ إجراءات وقائية والالتزام بقراراتها حول هذا الأمر، ودفع شركات الأدوية ومراكز الأبحاث لإيجاد لقاح أو علاج لهذا الفيروس.

في عالمنا العربي، كانت استجابات الناس متنوعة اتجاه هذا الفيروس، وإن كان القاسم المشترك بين معظمهم هو الخوف والترقب. ومع وجود بعض مظاهر اللامبالاة، إلا أن الكثيرين سعوا إلى تحصين أنفسهم عبر التزود بالمعقمات والكمامات أو عدم مغادرة بيوتهم إلا للضرورة القصوى. ولم يكن الكورونا بعيداً عن الاستخدام السياسي، هناك من انساق وراء ربط هذا الفيروس بمؤامرات أمريكية أو صينية أو غير ذلك، وهناك من ذهب إلى أن هذا الفيروس هو عقاب إلهي للصين لما تقوم به بحق أقلية الأيغور المسلمة.

ثمة من استسلم لبعض المعتقدات الشعبية أو “الدينية” من أجل مواجهة وباء الكورونا، أو لإبداء الرأي حوله. هناك من قصد المزارات وأضرحة الأولياء ظناً بأنها قادرة على حمايتهم وإبعاد الكورونا عنهم. وكان لافتاً ما لاقته بعض الإجراءات الحكومية التي قضت بإغلاق دور العبادة، من معارضة وغضب عند بعض المتدينين، وذلك تحت حجج مختلفة، لعل أهمها هو أن بيوت الله يجب ألا تغلق أبوابها. ولا يخل هذا الغضب عند البعض من أبعاد سياسية حيث يتم الربط بين الاحتجاج على إغلاق دور العبادة والاحتجاج السياسي على الأنظمة التي كانت وراء ذلك.

وعن استسلام البعض لهذه المعتقدات أمثلة: وهو أخذ التراب عن قبر القديس مارشربل بحجة أنه يشفي المرضى من كورونا. بالمقابل كان هناك العديد من الأصوات الرافضة لهذا النوع من التدين ومثال على ذلك موقف الأب جاد شبلي اليسوعي الذي نشره على فيسبوك حول هذا النوع من التدين وحمل السلطة الكنسية المسؤولية نتيجةً لتقاعسها عن أداء واجبها منذ سنين.

هذا النوع من التدين ليس حكرا على دين أو طائفة بعينها، فمن الواجب ذكر موقف دار الإفتاء المصرية الذي نشرته على حسابها على تويتر ويدور حول ذات الفكرة ولكن بتفاصيل مختلفة ومضمونه: “انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي قصة تدعي بأن من يجد شعره في المصحف في سورة البقرة يضعها في الماء ويشربها فهي شفاء من فيروس كورونا وننبه على أن هذا الأمر من الخرافات وعلى كل مواطن أن يتبع التعليمات الصحية الموضحة من وزارة الصحة وألا يلتفت إلى مثل هذه الخرافات.”

التوظيف الطائفي بدوره كان حاضراً، وهنا تحضر إيران ذات الأغلبية الشيعية، حيث استغل البعض انتشار الوباء فيها ليظهر فيروس كورونا وكأنه أحد جند الله الذي سلّطه على العصاة. وفي ذات السياق انتشر فيديو من العراق لمنشد يلقي اللوم على “النواصب” لأنهم كانوا وراء ظهور الكورونا.

إن لهذا النوع من التدين أسباب عديدة ينتج عنها مغالطات أو خرافات تؤدي إلى نتائج لا يحمد عقباها ومن هذه الأسباب: الجهل والتعميم والأحكام المسبقة وأحيانا طريقة التفكير التي تلعب دوراً مهما ًكالإيمان بنظرية المؤامرة.

ولهذه الأسباب عوامل يتوفر لها المناخ المناسب لانتشارها كغياب الرقابة الحكومية وغياب دورها في التوعية الطبية لحساب انتشار الخرافات وأيضاً انخفاض مستوى التعليم الذي يتناسب مع ازدياد معدلات الأمية بين الناس. وبالتالي النتائج كارثية كابتعاد الناس عن المشورة الطبية الاحترافية وهذا يساهم في انتشار الأمراض بشكل خطير.

لا توجد أي مؤشرات إلى المدة التي ستنتهي خلالها هذه المحنة، ولكن لابد أن نأخذ العبرة المرجوة وخاصة أن هذا الوباء شكل تحدٍ كبير للإنسان، وتركنا أمام أسئلة كثيرة نطرحها على أنفسنا محاولين إيجاد أجوبة واقعية.

يجب أن تكون الخطوات القادمة هي الخطوات التأسيسية لعالم جديد، هذه الخطوات على المنظور البعيد يجب أن تعتمد تطوير المناهج التعليمة، ويتم ذلك عن طريق اعتماد الأسس العلمية في انشائها وتطويرها تمهيدا لنقلها للأجيال القادمة. أما من منظور قريب فالأجدى بالمنظمات الدولية تكثيف التوعية ونشرها في الأماكن الأكثر عرضة للإهمال وخطر التفشي، ومن الواجب تقوية القطاع الطبي وتوجيه جميع ميزانيات التسليح الهائلة إلى ميزانيات تخدم مشاريع الأبحاث العلمية والطبية ومشاريع لإصلاح الخلل الذي أحدثه الإنسان في الطبيعة، لعلنا بذلك نتجنب كوارث كثيرة وخطيرة.